نحو جيل رائد في مجتمعه، فخور بهويته

الهجرة مفاهيم وقيم تستنير بها حياتنا

الهجرة مفاهيم وقيم تستنير بها حياتنا

نعم إنها الهجرة المباركة هجرة فاصلة بين عهدين كلاهما عظيم

عهد مكي يبني ويؤسس عقائد راسخة كرسوخ الجبال ومُنِع فيه القتال، وعهد مدني فيه تطبيق الشرائع وإذن من الله بقتال الظالمين المعتدين الذين سلبوا وشردوا وآذوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.

هجرة من أرض حبيبة إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه مستضعف فيها يظلم فيها ويؤذى فيها إلى أرض مرحب به فيها ينصر فيها ويبايع فيها على الحرب والسلم.

أرضان ليستا متشابهتين البتة.

فليس من يخذلك كمن ينصرك

ليس من يؤذيك كمن يدافع عنك

ليس من يحطمك كمن يدعمك

ليس من يحط من قدرك كمن ينزلك قدرك

نعم إنها الهجرة، هجرة القلوب وهجرة العقول وهجرة الأجساد،

لا بد لنا بين فترة وأخرى من هجرة من نوع ما.

أما دروس الهجرة فهي دروس تنير حياتنا وتنظم فوضاها وتصقل قدراتنا وتعلمنا مهارات مواجهة التحديات حتى لو كانت المهارة هي الهجرة نفسها؛

الدروس كثيرة على الإحصاء

لكني سأسرد بعضًا منها في مقالي هذا

حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحبة:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص بشدة على الصحبة، فحياته بمكة كانت بصحبة، وعقده للبيعة كان بصحبة، وسفره للطائف كان بصحبة والهجرة كذلك كانت بصحبة،

ولكن صحبة من؟ صحبة الصّديق رضي الله عنه

الصديق الصدوق الذي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كذبه الناس، فقال في حادثة الإسراء والمعراج: ” إن كان قاله فقد صدق

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الشَّيْطَانُ مِعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ» (صحيح الجامع[2546]).

وحاش للرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون معه شيطان، فقد نزع الله حظ الشيطان من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،

إنما ذلك ليعلمنا نحن العوام ويقعد لنا القواعد والمعاملات.

وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” (الكهف: 28).

فالحرص الحرص على الصحبة الصالحة

و الشركاء المعينين على نمونا الروحي والاجتماعي، وليست صحبة من همه الدنيا ومجالس اللهو والرقص.

الهجرة التخطيط والإعداد والأخذ بالأسباب:

تعلمنا الهجرة النبوية أعلى معاني الأخذ بالأسباب والتخطيط، فها هو الرسول الأعظم صلوات ربي عليه يزور أبا بكرٍ في الظهيرة على غير موعده المعتاد، كي لا يتنبه له المشركون.

ويخرج الرسول صلى الله عليه وأبو بكر من الباب الخلفي لبيت أبي بكر فجعل الانطلاق من بيت أبي بكر وليس بيته عليه الصلاة والسلام، وكان خروجهما ليلًا.

وعندما انطلقا لم ينطلقا مباشرة من طريق مكةالمدينة المعروف للقوافل آنذاك، بل ذهبا بالاتجاه المعاكس اتجاه غار ثور ثم عسفان ثمالحديبية….

واستأجرا عبد الله بن أريقط من بني الدّيل هاديًا خريتًا ليدلهما على الطريق؛

وذلك عامر بن فهيرة يرعى بغنمه فوق خطى الرسول الكريم وصاحبه لتضييع الأثر، ونزلا في غار ثور لثلاثة أيام حتى تيأس قريش من العثور عليهم وتعود عيونهم لمساكنهم.

لا تمنعك انفعالاتك من العدل:

الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا

بعد كل إيذاء قامت به قريش ماذا فعل الرسول

طلب من علي بن أبي طالب أن يبات في سريره ووكله بمهمة إعادة الأمانات إلى أصحابها ولم يضع ولو درهم أو دينار من الودائع، كيف لاوهو الصادق الأمين خير مبعوث للعالمين.

استثمار إمكانياتك وإمكانيات أفراد أسرتك:

فالرسول صلى الله عليه وسلم اختار أبي بكر للصحبة

واختار علي للمكوث في فراشه ورد الأمانات

أبي بكر وضع مهمة لكل فرد من أفراد أسرته وكلهم يعملون لهدف واحد كبير الأمر الذي يزيد حماسهم وبذل جهدهم.

الدعاء والتوكل على الله عز وجل:

بعد كل الإعداد السابق من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يركن لتلك الأسباب بل لهج لسانه بالدعاء لرب الأسباب كلها، طالبًا منه العون والمدد موقنًا بإجابته سبحانه وتعالى داعيًا بالدعاء الذي علمه إياه الله عز وجل في سورة الإسراء: 

{  وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا  } الإسراء

دعاء يطلب فيه صدق المدخل وصدق المخرج، صدق الرحلة كلها أولها وآخرها وما بينهما.

وطلب السلطان النصير من الله سبحانه وتعالى،

لا استعانة بسلاطين الأرض، هكذا الدعاة إلى دين الله لا يطلبون النصر والعز إلا من الله عز وجل.

وكلمةمن لدنكإنما تدل على قرب واتصال مع الله ولجوء إليه سبحانه.

الهجرة واستشعار معية الله عز وجل:

عندما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في غار ثور وتبعهما المشركين

حيث وقفوا عند مدخل الغار لدرجة وصفها أبو بكر

رضي الله عنه

فعن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله؛ لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر؛ ما ظنك باثنين الله ثالثهما.

وقال تعالى واصفًا نصره وتأييده للرسول صلى الله عليه وسلم:

{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَاللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}

الهجرة والتفاؤل في اللحظات الصعبة:

التفاؤل والثقة في النصر الإلهي هما جوهر روح المرء، سواء في الميدان الحربي أو في مواجهة تحديات الحياة.

إنهما روحانيتان تدفعان الإنسان إلى المضي قدمًا رغم الصعوبات والعقبات.

عندما نحمل الأمل في قلوبنا، فإننا نؤمن بأن هناك فرصة للتغيير.

الأمل يُضيء الظلام ويمنحنا الطاقة والإصرار للمضي قدمًا حتى في أصعب اللحظات.

فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في أصعب اللحظات في هجرته، يبشر سراقةالذي كان يتبعه ليفشي سره لقريشبظهورالإسلام

ليس على قريش فحسب بل والعرب وصولًا لبلاد فارس وسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين،

حيث قال صلى الله عليه وسلم:

«كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى».

الأمل والثقة في النصر هما جوهر المرء، سواء في الميدان الحربي أو في مواجهة التحديات في الحياة. إنهما روحانيتان تدفعان الإنسان إلى المضي قدمًا رغم الصعوبات والعقبات.

حب الله والرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على أي حب:

أظهر أبو بكر الصديق رضي الله عنه قدرته على العمل والبذل لأجل الله ورسوله في شتى الظروف

فالمسألة جلية عنده لا ينبغي أن يطلبه الله ورسوله ويتعذر أو يقول ليس بإمكاني أو ليس معي وغير ذلك من الأعذار

بل كانت حياته على مراد الله عز وجل واتباعًا لرسوله.

وأنا وأنت كذلك نتعلم هذا الدرس العظيم

حيث يجدك الله حيث أمرك، وألا يجد حيث نهاك،

ولا نكون أو نتواجد تبعًا لهوى الأنفس.

هذا معنى تقوى الله والتي هي نتيجة من حب الله ورسوله، الحب الحقيقي الذي تنساق فيه العقول والقلوب لأوامر الله عز وجل.

لا حدود للدعوة إلى الله:

الرسول صلى الله عليه وسلم خلال هجرته التقى ببريدة وأصحابه من قبيلة أسلم

وعندما التقاه دعاه مباشرة للإسلام، لم يقل لنؤجل الأمر لمناسبة أخرى فالرسول صلى الله عليه وسلم حكيم ويدعو إلى الله في كل زمان ومكان.

تربية الأهل والأبناء على البذل والعطاء في سبيل الدعوة إلى الله:

وهذه رأيناها في موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي استعمل ابنه عبد الله لنقل الأخبار، وابنته أسماء لتحضير الطعام وتجهيزه، ومولاه عامر بن فهيرة لمحي آثار الأقدم….

نحن كذلك علينا أن ندمج أبناءنا وأزواجنا في رحلة الدعوة إلى الله حتى ينالوا الأجر معًا.

التضحية والعطاء في سبيل الله:

بعد وداع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بقوله: ” والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك لما خرجت

فهذا فيه تصريح أنه من داخله صلوات ربي عليه كان يحب أن يبقى في مكة، لكن التضحية وطاعة الله في الخروج للمدينة التي نوّرت بوصول الرسول الأكرم إليها

المدينة التي ستكون عاصمة الدولة الإسلامية الكبرى لهو أمر يدعونا نحن عوام الناس لامتثال طاعة الله ففيها الخير والصلاح لنا حتى وإن لم ندرك ذلك بشكل آني.

وكذلك نتعلم البذل والعطاء من موقف أبي بكر رضي الله عنه الذي بذل ماله في رحلة الهجرة من قبلها بأربعة أشهر حيث جهز الراحلتين

وبذل ماله أثناء الهجرة وبعدها وبعد خلافته رضي الله عنه، فأبي بكر كان تاجرًا وثريًا،

هذا يعلمنا بداية أن ننمي الجانب المالي ونعلم أولادنا ذلك ونتعلم ونعلم أولادنا أن ننفق المال في طاعة الله عز وجل.

مكر الخصوم والأعداء شيء متكرر:

قريش لم تكف أذاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمكر الى المكر والخديعة تلو الخديعة

كما أن الأعداء يستخدمون المال لشراء وإغواء النفوس الجشعة الضعيفة للقضاء على الدعوة والداعي، فقد رصدوا مئة ناقة لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حيًا أو ميتًا، فتحفز كل من نفسه ضعيفة ومنهم سراقة.

دور المرأة في الهجرة المباركة:

فعائشة رضي الله عنها حفظت لنا كامل تفاصيل قصة الهجرة، وفهمتها، وبلغتها للأمة

فمن أين لنا بمعرفة هذه التفاصيل الدقيقة لولاها.

أما أسماء فهي من قامت بإعداد المؤنة

وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

جاء أبو جهل لبيت أبي بكر فخرجت أسماء له وسألها عن الرسول وعن أبيها إلا أنها قالت لا أعرف، فنحن نتعلم منها إخفاء أسرار المسلمين عن الأعداء.

وكذلك عندما دخل عليها جدها أبو قحافة قائلًا:

والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه

فقامت أسماء بجذب كيس كبير لا يحوي مال  وقالت للجد كلا يا أبت! ضع يدك على هذا المال

مدافعة بذلك عن والدها ساترة له وأسكنت معها قلب جدها الضرير.

العقيدة الصحيحة السليمة سبيل لتوطيد المحبة بين القلوب:

الأوس والخزرج قبل إسلامهما كانت تتنازعان على كل صغيرة وكبيرة في المدينة وكانت الحروب طاحنة بينهما.

لكن الدين الذي تغلغل في قلوبهم قد أزال الضغائن والأحقاد تجاه بعضهم البعض،

وهذا الدور لا يمكن أن تقوم به العقائد الفاسدة.

وحتى التآخي بين الأنصار والمهاجرين واستقبالهم إياهم ببيوتهم واقتسام كل ما معهم مع المهاجرين فهذا أثر العقيدة الصافية في النفوسالإنسانية.

من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه:

عندما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيمة أم معبد التي حل الرسول صلى الله عليه وسلم على خيمتها ضيفًا، وكان لها شاة هزيلة فطلب الرسول منها أن يحلبها فكثر حليبها،

بعد ذلك كثر غنم أم معبد ونما وأحضرت منه للمدينة، وذات مرة مر أبو بكر بها وابنها

فناداها ابنها قائلًا لها هذا هو الرجل الذي كان مع المبارك.

فقامت إلى أبي بكر وقالت له: يا عبد الله! من الذي كان معك؟ قال: أو ما تدرين من هو؟! قالت: لا!

قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاها، وفي رواية: فانطلقت معي، وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من أقط، ومتاع الأعراب، فكساهاالرسولوأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت.

الرسول كافأ أم معبد كيف لا وهو الذي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، كيف لا وهو الذي يؤمن أن الرزق من عند الله وحده لا شريك.

فنتعلم أن نكافئ من يسدي إلينا معروفًا، ولا نكون ناكري المعروف فليس ذلك من شيم المسلمين.

في ختام هذا المقال الذي استعرضنا فيه الهجرة النبوية ودروسها القيّمة، لا يمكن إلا أن نُلَمِّح لعظمة وأهمية هذا الحدث التاريخي في حياة الإنسانية.

ففي الهجرة دروسًا عظيمة في التحمل والثبات، الصبر والتفاؤل، العزيمة والتضحية من أجل قيم العدل والإنسانية. كانت هذه الهجرة بمثابة مدرسة تعلم فيها الإنسان أن يكون صاحب رسالة، قائدًا ومرشدًا، ومعلمًا وشفيعًا.

ومن خلال النظر في تلك الدروس، نجد أن الهجرة النبوية ليست محصورة في الماضي البعيد، بل هي مصدر إلهام لنا في حاضرنا ومستقبلنا. إنها تدعونا للتصالح مع أنفسنا ومحيطنا، لنبني مجتمعًا أكثر تلاحمًا وتعاونًا.

لنكن سفراء للخير والإحسان، ولنعمل جاهدين لنكون قدوةً حسنة في المجتمعات التي نعيش فيها.

إنها فرصة لنرسم بذكاء خارطة طريق أفضل لمستقبلنا وللأجيال القادمة.

فلنجعل من دروس الهجرة النبوية شعلةً تضيء طريقنا وتحرّك وجداننا نحو بناء عالم أكثر سلامًا، إنسانيةً وإخاءً.

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ” (النحل: 127)

حمل قصة الهجرة النبوية للأطفال

السيرة النبوية_سفير_7

نحرص في المدرسة العربية الافتراضية في اليابان  

على تعليم السيرة النبوية للأطفال

سجل طفلك معنا

اترك تعليقاً

لمتابعة قراءة المقال